لا أرى اختلافاً كبيراً بين أزمة أوبر و التاكسي الأبيض و بين أزمة الاقتصاد المصري بصفة عامة؛ الأزمة هنا أزمة تسويق و الأزمة هناك أيضاً أزمة تسويق. التسويق كمفهوم أشمل بكثير من مجرد أن تبيع السلعة و لكنه دراسة كل ما يحيط بهذه السلعة حتى تستطيع في النهاية تحسين منتجك إلى أقصى درجة ممكنة و من ثم تستطيع إقناع المستهلك أن يقبل على هذه السلعة. إذن ماذا فعل أوبر و كريم كي يدخلا بهذه القوة للسوق المصري في وقت قصير؟ الإجابة ببساطة أنه درس احتياجات الناس و عيوب التاكسي الأبيض و بنى خطته التسويقية على هاتين النقطتين و من ثم كان هذا النجاح الساحق؛ هل صحح التاكسى الأبيض من أوضاعه؟ بالطبع لا؛ إذن ماذا فعل؟ أخذوا يجوبون الأرض شرقاً و غرباً أن هذه الشركات الجديدة تقطع عيشهم و أنهم دافعون للضرائب و أن ورقهم سليم أما هذه الشركات الجديدة فوضعها القانوني غير صحيح؛ و هل نجحوا فيما يريدون؟ بالطبع أيضاً لا؛ لماذا؟ لأنه ببساطة لا علاقة لمتلقي الخدمة بهذا الصراع أو بعدم قانونية أوبر و كريم و غيرهم؛ هو فقط يريد الحصول على الخدمة التى يريدها بالمستوى الذى يرضيه و السعر الذى يرتضيه؛ إذاً ما هو الحل؟ الحل ان يلعب سائقو التاكسي الأبيض بنفس السلاح الذى يلعب به منافسوهم و لا سبيل لهم غير ذلك لأن عاجلاً او آجلا سيتم تقنين أوضاع هذه الشركات؛ و الحل بسيط جداً و هو أن يضع سائقو التاكسي الأبيض أيديهم على عيوبهم و التى جعلت بعض عملائهم يتركونهم و يذهبون لمنافس آخر. هذه العيوب ليس من الصعب معالجتها حيث أن أغلب هذه العيوب هي عيوب سلوكية أو عيوب في طريقة تقديم الخدمة؛ و هذا هو الحال فى الأسواق المفتوحة؛ الكل متكافيء في الفرص و الكل يتصارع من أجل إرضاء العميل و كسب ثقته. و لكن ثمة تشابه كبير بين حال سائقي التاكسي في هذه الأزمة و بين حال الاقتصاد المصري؛ فنحن أيضاً لا نريد أن نرى عيوبنا و لا نريد إصلاحها و عندنا نفس أزمة التسويق. لن أتكلم الآن عن عدم وجود صناعة حقيقية و لا عن عدم ركوب قطار التكنولوجيا الذى يسير بسرعة أكبر من سرعة متابعتنا له و لن أتكلم عن عدم استغلال المواهب و العبقريات أصحاب الاختراعات التى نحن في أشد الحاجة إليها للنهوض باقتصادنا المتعثر بل و تركناها تذهب لبلاد أخرى لتحمل جنسيات أخرى تفيدها و نحن في أشد الحاجة لذلك؛ لن أتحدث عن كل ذلك بل سأتحدث فقط عن السلع الحاضرة بين أيدينا و لكنها غير رائجة بسبب عدم وجود فكر تسويقي واضح – و مرة أخرى التسويق ليس هو الدعاية و الإعلان عن المنتج –، من السلع التي بين أيدينا الآن “قناة السويس“، فعابري قناة السويس يمرون خلالها ليجعلوا رحلتهم من آسيا الى أوروبا و العكس أقصر لتوفير النفقات “الوقود” و لكن فى حالة تدني أسعار النفط – مثلما يحدث الآن – فهناك طريق آخر يمكن اللجوء إليه دون الحاجة للمرور عبر قناة السويس و دفع تكاليف العبور و بالطبع فى حالة تدني أسعار النفط و انخفاض تكاليف الرحلة فإن هذا الطريق الأطول سيكون أوفر لهم؛ حيث أن المشكلة لا تكمن في مدة الرحلة و لكنها تكمن في مجمل تكاليف الرحلة. إذن ما هو الحل حتى نحافظ على نسبة الإقبال على العبور من قناة السويس بل و زيادة عدد السفن العابرة؟ الحل هو توفير خدمات أخرى غير مجرد العبور من البحر الأحمر إلى المتوسط؛ توفير هذه الخدمات اللوجستية كانت أو الصناعية سيجبر هذه السفن على العبور من قناة السويس للحصول على الخدمات التى يحتاجونها ففي هذه الحالة سيكون الحصول على هذه الخدمات من قناة السويس – نفس طريق الرحلة – أفضل و أوفر من الحصول عليها من جبل علي بدبى – تغيير مسار الرحلة – و ستصبح منطقة قناة السويس من أهم المناطق التجارية الحرة فى العالم. أرى أنهم قد فطنوا أخيراً لهذا بتعيين الأستاذ الدكتور/ أحمد درويش “رئيساً للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية بقناة السويس” فأنا أرى أنه إذا أتيحت له الصلاحيات الكافية سيصحح من مسار محور قناة السويس و سيزيد الجدوى الاقتصادية للتفريعة الجديدة. السياحة أيضاً سلعة لم نحسن تسويقها جيداً فأسلوب تعامل القائمين عليها لا يشجع أحداً أن يأتي لمصر و إن أتى فلن يأتي مرة أخرى و لن يشجع أحداً من دوائره على القدوم؛ علينا تغيير أنفسنا في التعامل مع ما نملك من مميزات و موارد حتى نستطيع أن ننهض بالسياحة و تستطيع قناة السويس منافسة سنغافورة و جبل علي و حين يحدث هذا سنتحدث حينئذٍ عن النهضة الشاملة.
سياسة والمجتمع
التاكسى الأبيض و الاقتصاد المصري و سر الأزمة
سياسة والمجتمع
Facebook
Twitter
Instagram
Google+
YouTube
RSS