-
لقطة من فيلم “الناظر”- ٢٠٠٠
لا شك في أننا جميعاً نريد كل ما هو أفضل لأبنائنا، حياة بظروف معيشة ومستوى ومستقبل أفضل. وأن حجر الأساس لتحقيق أي من هذا هو بالتأكيد تعليم أفضل. وفي بلدٍ نامٍ مثل بلدنا الحبيب فإن هذا يمثل تحدياً خاصة لمن هم أقل من الطبقة العليا وفوق المتوسطة.
يستطيع من يتأمل حال التعليم في مصر أن يرى مدى الحالة المزرية المحزنة التي وصلت إليها المنظومة التعليمية بأكملها من القائمين عليها للنظام والمستوى العام والمناهج البالية. النظام الذي بدت بوادر تدهوره جلية – عندما كنا نحن في المدارس أي منذ 15 او 20 عاما ً- في المناهج العقيمة و قرارات الإصلاح المتخبطة التي من شأنها أن تحل العوارض فضلاً عن الأسباب.
لاستعراض مشاكل التعليم في مصر، اسمحوا لي أن أدرج بعض النقاط كما يلي؛
-محتوى المناهج العفن الذي لم يتم تغيير معظمه منذ عشرات السنين، حتى أنه لم يعد قادراً على مواكبة التطورات الضخمة المذهلة التي حدثت في العشرين عامٍ الماضية، في كافة المجالات.
أضف إلى ذلك، الحشو المفرط و خلوها من التعليم العملي والبحثي وتقديم المعلومة بشكل مشوق فضلاً عن رصها مثل المواضيع الإنشائية بشكل لا يمكن لعقل طفل أن يستوعبه فيضطر إلى حفظه ليسكبه في الامتحان (المطحنة النفسية) لينساه ثم يمضي استعداداً لمآسٍ نفسية أخرى قادمة.
النظام التعليمي العقيم الذي يضع مصير الطالب كاملاً تحت رحمة امتحان واحد فقط في آخر العام للمادة، حتى إذا – لا سمح الله – مرض أحدهم أو مر بظروف عصيبة، ضاع جهده وتعبه طوال العام أو في حالة المرحلة النهائية طوال عامين و ضاع مستقبله. هكذا بدون أي اختبارات أو واجبات دراسية أو بحثية أو أي أنشطة تقييمية لجهد ومستوى الطلاب طوال العام تساعدهم على الحصول على درجة نهائية منطقية نسبياً أو على الاستفادة الحقيقية من الدراسة.
-عدم إعداد العاملين بالتدريس بالشكل الكافي عملياً و نفسياً للتعامل و التدريس لأطفال أو قٌصَّر إلى جانب عدم تقديرهم مادياً في مقابل أهمية ما يقومون به من إعداد لأجيال المستقبل و تشكيل عقولهم. و غياب شبه تام لأي رقابة أو محاسبة أو حتى تقييم دوري فعال للمدرسين والمدارس بصفة عامة؛ ما أدى إلى توحش مافيا الدروس الخصوصية – دروس التقوية للمساعدة سابقاً – التي تكاد تكون السبيل الوحيد للنجاح فتنهك الطلبة وترهق الأهالي
– المطحونين في كل أمر آخر – مادياً. في حين تحارب الحكومة بقرارات و أفعال أقل ما يقال عنها أنها ساذجة بحيث تتم معاقبة المدرسين بعقوبات واهية – حسب الوضع و الواسطة – دون التطرق إلى أصل المشكلة و جميع أطرافها.
-طبعاً التعليم الحكومي “المدعم” يعد خارج التصنيفات و التدقيق السابق لما وصل إليه من أقصى درجات التدني على كافة المستويات – حتى الآدمية.
كل هذا أدي إلى انحدار المستوى التعليمي و الأخلاقي بشكل عام حتى أصبح التعليم في مصر يحتل المركز 139 من أصل 144 دولة.
-ومن ثم ظهر ملاذ – للمقتدرين فقط- حديث نسبياً وهو نظام التعليم الدولي. الذي بدأ كنوع من الرفاهية و الارتقاء – أو التباهي بالنسبة للبعض – حتى أصبح الآن نوع من الضرورة لمن يستطيع للحصول على تعليم أفضل نوعاً ما.
و بعد أن بدأ ببضع مدارس متخصصة بعمالة على أعلى مستوى لتقديم نظم عالمية معتمدة من أكثر الدول تقدماً، تطور وتفحل ليصبح تجارة من لا تجارة له. كل من يملك أرضاً ومالاً يستطيع أن يبني مدرسة و باسمٍ أخاذ وبعض التراخيص يحدد المصاريف كيفما يشاء – بدون متابعة حقيقية و ضوابط و عقوبات رادعة من وزارة التعليم أو حتى مصلحة الضرائب. بل وقد وصل الأمر إلى أن بعض المدارس تحت الإنشاء تبدأ باستلام الطلبات و تحديد مصاريف عالية – رغم أنه من المفترض أن يتم تحديد المصاريف وفقاً لتقييم شامل للمدرسة ب”منشآتها” وما تقدمه من تعليم و أنشطة، إلا أن الواقع شيء آخر.
ومع تدني التعليم العادي أكثر فأكثر وإقبال أولياء الأمور على التعليم الدولي بشكل أكبر للهروب من جحيم التعليم البالي طمعاً في ما هو أفضل لأولادهم، زادت المصاريف بشكل فج و بدون مبرر. و أصبح أمراً طبيعياً أن أي زيادة تكاليف على المدرسة سواء ضرائب أو تغير – حتى وإن كان مؤقتاً – في أسعار العملات أو حتى توسعة للمدرسة يتحملها أولياء الأمور – بدون أي ضوابط – للمحافظة على هامش ربح معين.
-ناهيك عن الانتهاكات التي بين جدران المدارس – سواء العادية أو الدولية – التي تتراوح بين ضرب و عقوبات نفسية من المدرسين إلى حالات الدهس المتزايدة للتلاميذ من سائقي الحافلات المدرسية.
كل هذا و أكثر يحدث بدون وجود منظومة حقيقية للبلاغ و التحقيق و محاسبة و معاقبة المسئولين من خلال قوانين صارمة ورادعة للحفاظ على حقوق كلي الجانبين – المدرسة وأولياء الأمور. بل الأمر متروك – ضمنياً – تماماً لضمائر وسياسات القائمين على المدرسة وأصحابها.
والسؤال هنا، من المستفيد من استمرار هذه المهزلة المسماة بالعملية التعليمية في مصر وإلى متى؟ من المستفيد من استمرار مافيا الدروس واستفحال مافيا المدارس الدولية بدون رابط أو ضابط؟ إلى متى سيستمر الانحدار الأخلاقي والثقافي وغرق أبنائنا والأجيال القادمة في غياب الجهل والفوضى ولمصلحة من؟
هناك صفحتان حديثتا الإنشاء على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، الأولى اسمها “يلا نبني مدرسة” وهدفها تجميع أكبر قدر من أولياء الأمور لإنشاء مدرسة تضمن مستوي تعليم عالٍ لأبنائهم بتكاليف مستحقة وموزعة عليهم دون مغالاة. والأخرى اسمها “تمرد على المناهج التعليمية المصرية” وهدفها توضيح سلبيات التعليم المصري و نشر أكثر مقترحات و مطالب أولياء الأمور من أجل مصلحة أبنائهم والأجيال القادمة. و غيرها من المجهودات الفردية على قدر المستطاع لتوصيل أصوات الشعب للقائمين على التعليم وتطويره. فهل من وزارةٍ تعليميةٍ وحكومةٍ، بعقليات مستنيرة نضرة، تضع على رأس أولوياتها إصلاح التعليم وبناء أبناء المستقبل من أجل حياة أفضل مجتمعاً و أفراداً؟!
Facebook
Twitter
Instagram
Google+
YouTube
RSS