
رسم: آلاء عادل
أذكر جيداً كيف ضحكت كثيراً على هذا الإفيه عندما أطلقه الفنان “عادل إمام” في مسرحيته الشهيرة “الزعيم”.. لم يكن الأقوى أو الأكثر كوميدية بين نظرائه من الإفيهات التي تزخر بها هذه المسرحية الجميلة، ربما لقوة التباين بين السؤال وإجابته بشكل يبعث تلقائياً على الضحك.. فماذا يعني أن يقتل أحد بنت عمة أمه (عشان معملتش قلقاس)؟ ولماذا القلقاس بالذات؟ ده حتى خضار وحش ومحدش بيحبه وبطاطس في نفسه كده. لكن أحياناً يكون مبعث الكوميديا في الإفيه هو انعدام المعنى بداخله وكأن المستمع ساذج أو غبي.. مثلما أن منبع الكوميديا – السوداء هذه المرة – في موقف بعينه هو انعدام صلته بالأحداث التي ورد خلالها واستخفاف القائمين على الموقف بعقول متلقييه بشكل يجعلنا لا نكاد نميز إن كان جداً أو هزلاً .. تماماً كما يحدث في بلدنا الموعودة بالكوميديا دائماً وأبداً.
أود أولاً أن أعتذر عن هذه المقدمة الطويلة التي قد تبدو مسفة أو تافهة.. لكنني – ومنذ فترة ليست بقريبة – أسترجع هذا الإفيه في عقلي، في كل مرة “يتشملل” فيها مسئول ما في هذا البلد ليخرج علينا بتصريح عن موقف أو حادث طارئاً كان أو عادياً.. أبدأ في الاستماع لتبريرات هذا المسئول وهو “يدش” بكلام هو أبعد ما يكون عن المنطق والأهم من ذلك أنه أبعد ما يكون عن ملابسات وأحداث الموقف المبرَر.. بشكل يجعلني أستحضر لا إرادياً الإفيه وأبدأ في الضحك على المسئول وكلامه الذي يتحول في أذني إلى جملة واحدة تتكرر: “عشان معملتش قلقاس”!
أعود – بعد أن أشبع ضحكاً – لأسأل نفسي: لماذا لا يبذل المسئولون في بلدنا مجهوداً يُذكر في الترتيب لبياناتهم وتصريحاتهم التي يطلعون بها علينا صبحَ مساء؟ لماذا لا يدرك أحدهم أن الكلمة في المواقف العظام والأحداث الجسام توزن بميزان الذهب، لماذا نشاهد دوما تخبطاً في التصاريح واستسهالاً في إلقاء البيانات وسذاجة ورعونة في التبريرات واسترخاءً تاماً في الوعود وردود الأفعال؟ هل نبدو لمن يحكموننا كشعب ساذج “بيتضحك عليه بكلمتين”؟ الإجابة نعم بكل أسف، القطاع الأعظم من هذا الشعب يصدق الحكومة في كل ما تقول وتفعل، “ماسك في ديل الحكومة كأنها أمه اللي خلفته” كما قال كمال الفولي في عمارة يعقوبيان، والحقيقة أن ما يصعب على الشعب فهمه أو بلعه بمعنى أدق من بلاوي الحكومة وكوارثها يعمل عليه كتيبة كاملة من الإعلاميين لكي يسهلوا هضمه وتمريره، ويساعدوا في تشويه واتهام كل من يُصرح برأي مخالف لما تُقره الحكومة وترضاه، هذا الشعب الذي يرزح أكثر من 40% منه تحت نير الفقر والأمية، ويتمتع أكثر من 30% منه بنصف تعليم ونصف ثقافة لا تسمن ولا تغني من جهل، ويعوم على وش فتة هذا الوطن 20% أو أقل، كل هؤلاء يؤمنون خلف الحكومة بكل تصديق إما جهلاً أو مصلحةً، فلم يبذل المسئولون جهداً يُذكر لتبرير الكوارث وتمرير الاتفاقيات المغلوطة وإطلاع الشعب على ما يدور في الكواليس الحكومية؟ أمن أجل ال 10% التي لا زالت تعارض وتنصف الحق وتقول للأعور انت أعور في عينه؟ فلنلقِ بنصفهم في السجون ونطارد النصف اﻵخر بالاتهامات بالعمالة والتخوين حتى يترك هذا البلد غير آسف ولا نادم.
لهذه الأسباب يُطبخ قلقاس التصريحات في بلدنا بهذا الشكل، لهذه الفئات من الشعب تُلقى التصريحات العجولة والبيانات المهتزة والقرارت المتبجحة التي لا تضع حساباً لمواطن أو تحسباً لذكائه ومدى منطقية ما يمكن أن يتقبله، الحكومة في تمام اليقين بأن الشعب الذي تابع إعلاميي الحمالات والمصطبة وأصحاب العاهات التليفزيونية وغيرهم، ثم صدقوا كل ما قالوه لهم وعملوا منه شعارات كمان، لن يصعب عليها إقناعه بأن التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية هو إنجاز عظيم، وأن ارتفاع سعر الدولار فوق حاجز ال 13 جنيه هو سحابة صيف ستمر ويعود الاقتصاد بعدها للانتعاش مجدداً، وأن حادث طائرة هنا أو حادثاً إرهابياً هناك هو نتاج مؤامرة على مصر يشترك فيها الإخوان مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل والباور رينجرز، سوف يقنعونهم أنهم حماة الوطن الذين يسهرون على أمنه وصد هجمات المؤامرات عنه، وسينجحون.. وعندما يغلبون مع كوارث كبرى سيمررونها بالبجاحة والتهديد بأن “ده أمن البلد” و “ممكن ما تتكلموش في الموضوع تاني”.. واللي تغلب به العب به وهكذا دواليك.
ليس هناك في هذا البلد ثمة شيء يستحق أن يهتز مسئول ويحرك كرشه الثقيل لكي يبرر أمراً ما، وستبقى معجنة جهاز الكفتة والمجلس الأعلى للعالم والرياح الشمالية الغربية أكبر دليل على أن قلقاس التصريحات أبرك من تهديد أمن مصر القومي، سيزدرده الشعب حتى لو كان نيّئاً وهيقعد على قلبه، وهيبلّع وراه كمان.
سأظل أضحك كلما شاهدت مسئولاً في التلفزيون، وسأظل أضحك على المنتظرين لمعلومة أو تصريح من وراء المؤتمرات والبيانات، وعندما أفرغ من الضحك المرير سوف أسأل نفسي مرة أخرى لماذا وصلت هذه الدولة إلى هذا الحال؟ أنت بالطبع تعلم لماذا..
الله ينور عليك.. عشان معملتش قلقاس.
Facebook
Twitter
Instagram
Google+
YouTube
RSS