
مشهد من فيلم «The Purge»
كم هو مثير للفضول ما يمكن أن يخطر على بال الإنسان إذا أعطيت له إثنى عشر ساعة من الحرية المطلقة، إثنى عشر ساعة من اللا دولة، فتجد نفسك أمام الكثير من الأفكار الشهوانية العنيفة، رغبات مكبوتة تتلوى بين القيود الاجتماعية والقانونية، قد تكون صبيانية في بعض الأحيان، ومميتة في أحيانٍ أخرى كثيرة.
باختصار.. سلسلة افلام «The Purge» أو «التطهير» تتطرق لفكرة إعطاء الشعب ليلة كاملة، 12 ساعة، كفرصة لتنفيث شحنة العنف، التي لم يجد صناع القرار في أمريكا، في واقع الفيلم، إلا أن يعترفوا ويؤمنوا أنها جزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية، والتي يجب إعطائها المجال والمساحة من أجل أن يتطهر منها المواطنون، ولذلك سمي يوم التطهير، في حين كان السبب الحقيقي خلف هذه العملية وهذا اليوم هو ما قد نسميه بالإنتقاء الطبيعي الإجباري. فينجوا أصحاب الأموال من هذا اليوم إما بالأسلحة والتطهر وإما بالإختباء خلف حوائط الفولاذ، في حين يقع الفقراء والكادحون فريسة لهذا اليوم، فيرفعوا عن عاتق الحكومة واقتصادها هم رعايتهم.
فيأتي الفيلم كمحفز للفكر ويطرح سؤالين مهمين، هل فعلاً يميل الإنسان بطبعه للعنف؟ وهل فعلاً تميل الحكومات لإلقاء هم الفقراء والكادحين عن عاتقها؟ وكعادة هذا النوع من الأسئلة، تجد أن الإجابة هي «نعم» .. و«لا».
نعم لقد أثبتنا أننا كائنٌ يميل للعنف بشتى ألوانه، فيأتي العنف بكل الأحجام والأشكال والألوان، فقد أثبت المواطن المصري كفائته ككائن عنيف من الدرجة الأولى، وحّدِث ولا حرج، ولا أريد أن تتبادر صورة الفنان محمد رمضان إلى خيالك الآن، فكما ترى عزيزي، أفلام العنف موجودى في شتى بقاع الأرض، ولكن ليست كل البقاع كبقعتنا، فبقعتنا، وبلا فخر، هي من كانت على الاستعداد للانحراف لكن لا تجد من يدلها، فقد كان المواطن المصري حاضنٌ ممتاز لميكروب العنف، هذا إذا اعتبرنا أن العنف بدأ على يد محمد رمضان.
أما إذا أردت أن أسرد عليك باقي أنواع العنف في المجتمع المصري فجرب أن تسير بسيارتك في أي شارع من شوارع البلد من الساعة الواحدة ظهرًا حتى الرابعة، وتمتع بقواميس السب واللعن التي ستطرب أذنك من السائقين حولك، والتي ستتفاجأ أن تحفظها كلها، حين يميل عليك ميكروباص إمبابة-دقي وأنت على وشك الهروب من البطل أحمد لجامعة الدول.
ولا.. لسنا جميعًا بهذا السوء، فيومًا بعد الآخر يثبت بعض المواطنون، المعتدلون في جرعات العنف، أن «الدنيا لسة بخير»، ولازال يوجد بعض الأمل المختبئ خلف العيون الحمأة المرتسمة على وجه المواطن المصري. ويجدر الإشارة أنني لا أقصد طبقة اجتماعية معينة، فعلى خلاف ما يريد البعض أن يصدر لنا، العنف في الطبقات المتوسطة والفقيرة لا يضاهي مثيله في الطبقات المسماه بالمستريحة، وإذا تركنا الأخيرة على الأولتين لفتكت بهما.
أما حكومتنا الرشيدة، فحمدًا لله أنها لم تعلن عن يوم التطهير بعد، فهو ما ينقصنا، فمثلما تعاملت حكومة أمريكا عام 2023 في فيلم «التطهير»، تطلق القوانين وعلى الشعب أن يتصرف، تطلق حكومتنا القوانين وتفرض الضرائب، وتنظر للمواطنين بابتسامة بلهاء ينطق لسان حالها بـ«اللي معوش ما يلزموش».
فينجوا الأغنياء والـ«مستريحين» ويغرق الفقراء والكادحون في عرقهم محاولين النجاة من وابل القرارات التي أطلقتها علينا الحكومة في الفترة السابقة، فنجد نفسنا في وسط عملية يوجينيا إجبارية، إنتقاء صناعي، ضد الطبقات التي تأتي بعد المتوسطة، وإن كانت تلك العملية بدأت تطال المتوسطة في الآونة الأخيرة، ولنا الله.
عزيزي المواطن.. إذا كنت في انتظار يوم «التطهير» من أجل تنفيث بعض الميول العنيفة الحبيسة بداخلك، خُذ راحتك، فـالتطهير بدأ في بقعتنا منذ فترة بالفعل، ومازال مستمرًا، ومنا من خرج للشوارع يصول ويجول باحثًا عن الفرائس، مطهرًا ذاته من العنف الحبيس، ومنا من يحتمي أسفل الطاولات، خلف الأبواب الموصدة، ينتظر الأمل، وفجرًا لم يحن أوانه بعد.
Facebook
Twitter
Instagram
Google+
YouTube
RSS