
المفكر محمد أسد
صحافي ورحالة ومفكر إسلامي وسياسي بارع، لم يحظ من الإعلام الغربي أو حتي العربي ما يستحقه من الاهتمام. ولم تقدر جهوده حق قدرها، ولم يحظي بالمنزلة التي يستحقها، علي الرغم من وصفه بلقب “هدية أوروبا إلى الإسلام” من قبل المستشرق الألماني المسلم الدكتور مراد هوفمان. فـ”محمد أسد”، يُعد واحد من أكثر المسلمين الأوروبيين تأثيراً في القرن الـ20. فمن هو محمد أسد؟ وما هي القصة وراء إسلامه؟ وما السر وراء الأثر الكبير الذي تركه وراءه؟
مولده:
ولد محمد أسد أو “ليوبولد فايس” في 2 يوليو عام 1900، في منطقة غاليسيا؛ والتي كانت جزء من الإمبراطورية النمساوية المجرية آنذاك وهي حالياً تابعة لمدينة لفيف بأوكرانيا. كان فايس سليل لعائلة طويلة من الحاخامات اليهود. ومع ذلك، فأن والده قد كسر هذا التقليد وأصبح محامياً.
أولي خطواته الصحفية (1920 – 1922):
بعد تركه لدراسته الجامعية في فيينا في فترة العشرينيات، عمل فايس كعامل للهاتف بوكالة الأنباء الأمريكية في برلين. استطاع فايس وقتها الحصول علي مقابلة مع زوجة الكاتب الروسي الشهير مكسيم غوركي، وبعدها نُشرت له أول مقالة في الصحافة.
فايس ينتقل للشرق الأوسط (1922 – 1926):
في عام 1922، انتقل فايس إلي فلسطين عندما كانت لاتزال تحت الانتداب البريطاني بناءاً علي طلب أحد أقربائه. وأثناء إقامته بالقدس، عمل كمراسل أجنبي لصحيفة فرانكفورتر العامة. كما قام ببيع مقالاته، والتي شرحت قلق العرب من المشروع الصهيوني، كما قام بنشر كتاب صغير عن هذا الموضوع في عام 1924.
فايس يشهر إسلامه..ويصبح “محمد أسد”:
لفهم العالم العربي أكثر وتكوين روابط وثيقة فيه، تعمق فايس في الإسلام لمعرفته بشكل أفضل. الأمر الذي أدي إلي إعتناقه الإسلام، وقد أطلق عليه حينها رئيس الجالية الإسلامية في برلين اسم “محمد” تيمناً باسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وترجم اسمه الأول “ليو” إلي “أسد” والذي يعني باليونانية المعنى نفسه.
وقد تحدث أسد عن الإسلام قائلاً:
“يبدو الإسلام لي كعمل معماري مثالي. فجميع أجزائه موضوعه في تناغم لاستكمال ودعم بعضها البعض، لايزيد عليه شئ ولا يفتقر لشئ. والنتيجة هي توازن مطلق، وثبات قوي.”
سفر أسد إلي السعودية (1927):
انتقل أسد إلي السعودية والتقى بمؤسس السعودية الملك عبد العزيز سنة 1927، واتخذ من المدينة المنورة مقراً لإقامته وعاش بها لمدة 6 سنوات من عام 1927 إلي عام 1933، وقام بالحج خمس مرات. والجدير بالذكر، أن أسد عمل كمستشار للملك عبد العزيز.
زيارته لعمر المختار..ومقابلته محمد إقبال:
زار أسد عمر المختار، ليتباحث معه في طرق لإيجاد تمويل للمقاومة ضد الإيطاليين. انتقل بعد ذلك إلى شبه القارة الهندية؛ والتي كانت تحت الاحتلال الإنجليزي حينها، والتقى بالمفكر محمد إقبال في عام 1932. واقترح إقبال علي أسد تأسيس دولة إسلامية مستقلة في الهند “باكستان الآن”، وعند استقلال باكستان عام 1947 مُنح محمد أسد الجنسية الباكستانية وعُين كمدير لدائرة إعادة الإعمار الإسلامي. ثم أصبح بعد ذلك رئيساً لوحدة شؤون الشرق الأوسط عام 1949، ثم مبعوث باكستان إلى الأمم المتحدة في نيويورك عام 1952.
ترك منصبه، وتفرغ لكتابة سيرته الذاتية “The Road to Mecca” “الطريق إلي مكة”، والتي ترجمت إلي عدة لغات منها العربية فيما بعد وصنع منها فيلم وثائقي أيضاً.
“الطريق إلي مكة”:
استطاع محمد أسد في تقديم الإسلام برؤية جديدة في سيرته الذاتية، والتي توثق مراحل التحول في علاقته مع الغرب خلال القرن العشرين. وقد صنع فيلم وثائقي منها، والذي حاز على عدة جوائز في مهرجانات عالمية. ومن ضمن هذه الجوائز، جائزة أفضل تصوير بمهرجان غراتس بالنمسا، والجائزة الكبرى للجنة التحكيم في مهرجان أغادير للأفلام الوثائقية، وجوائز أخرى بمهرجانات في تورنتو وسراييفو ونيويورك وإسطنبول ونيون بسويسرا.
وفاته:
في أواخر سنواته، انتقل أسد إلى إسبانيا وعاش هناك مع زوجته الثالثة “بولا حميدة أسد”؛ أمريكية من أصل بولندي معتنقة للإسلام. توفي بعد ذلك في 20 فبراير عام 1992 في سن الـ91، ودفن في مدينة غرناطة.
محمد أسد علامه ومفكر كون أفكاره ومبادئه ومعتقداته بنفسه، من خلال رحلة طويلة ساعدت في ولادة إيمانه القوي. وما يثبت الأمر مقولته الشهيرة “جاءني الإسلام متسللاً كالنور إلى قلبي المظلم، ولكن ليبقى فيه إلى الأبد”.
Facebook
Twitter
Instagram
Google+
YouTube
RSS